يابائعا نفسه !(*)
يا بائعا نفسه بيع الهوان لو استرجعت
ذا البيع قبل الفوات لم تخب
وبائعا طيب عيش ماله خطر
بطيف عيش من الآلام منتهب
غبنت والله!! غبنا فاحشا ولدى
يوم التغابن تلقى غاية الحرب
وواردا صفو عيش كله كدر
أمامك الورد حقا ليس بالكذب
وحاطب الليل في الظلماء منتصبا
لكل داهية تدني من العطب
ترجو الشفاء بأحداق بها مرض
فهل سمعت ببرء جاء من عطب
ومفنيا نفسه في ﺇثر أقبحهم
وصفا للطخ جمال فيه مستلب
وواهبا نفسه من مثل ذا سفها
لو كنت تعرف قدر النفس لم تهب
شاب الصبا, والتصابي بعد لم يشب
وضاع وقتك بين اللهو والعب
وشمس عمرك قد حان الغروب لها,
والفيء في الأفق الشرقي لم يغب
وفاز بالوصل من قد جد, وانقشعت
عن أفقه ظلمات الليل والسحب
كم ذا التخلف, والدنيا قد ارتحلت,
ورسل ربك قد وافتك في الطلب
ما في الديار, وقد سارت ركائب من
تهواه للصب من شكر ولا أرب
فأفرش الخد ذياك التراب وقل
ما قاله صاحب الأشواق والحقب
ما ربح مية محفوفا يطيف به
غيلان أشهى له من ربعك الخرب
ولا الخدود ولو أدمين من ضرج
أشهى إلى ناظري من خدّك الترب
منازلا كان يهواها ويألفها
أيام كان منال الوصل عن كثب
فكلما جليت تلك الربوع له,
يهوى إليها هوى الماء في الصبب
أحيي له الشوق تذكار العهود بها
فلو دعا القلب للسلوان لم يجب
هذا, وكم منزل في الأرض يألفه
وما له في سواها الدهر من رغب
ما في الخيام أخو وجد يريحك إن
بثثته بعض شأن الحب فاغترب
وأسر في غمرات الليل مهتديا
بنفخة الطيب لا بالعود والحطب
وعاد كل أخي جبن ومعجزة
وحارب النفس لا تلقيك في الحرب
وخذ لنفسك نورا تستضيء به
يوم اقتسام الورى الأنوار بالرتب
(*) من كتاب 'الفوائد'
للعلامة : ابن القيم رحمه الله تعالى (ط .دار إحياء الكتب العربية- القاهرة )